سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

عدنان بدر حلو: كلنا شركاء&#00



بعد مرور أكثر من عامين على اندلاع الثورة في سورية وصلت الأمور إلى مفترق تتفرع عنه ثلاث كوارث:

الكارثة الأولى: هي استمرار العنف بدون نتيجة حاسمة إلى أمد طويل لم يعد بمقدور الشعب (بكل أطرافه) تحمل تبعاته حتى على صعيد توفير الحد الأدنى من ضرورات استمرار الحياة. بكل ما يرافق ذلك من تصعيد غير محدود للقتل والتدمير، مع العجز الفاضح عن توفير الحد الأدنى من مستلزمات الإغاثة للاجئين والمشردين داخل البلاد وخارجها.

الكارثة الثانية: هي نجاح القوة العسكرية للنظام في سحق الثورة وإعادة فرض الأمن على بلد مدمر، بكل ما يضيفه ذلك إلى ثقافة الاستبداد وأعرافه من غطرسة الانتصار ضمن ظروف أزمة وطنية تهدد الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي، وخراب وشحّ في مصادر الثروة، وحصار ومقاطعة عربية ودولية تضيّق الخناق على البلاد بأسرها، فيجيّرها النظام وأنصاره إلى مدعاة لمزيد من الضغط والقسر والسلبطة على الشعب بصورة عامة.

الكارثة الثالثة: هي أن ينجلي العنف بتطوراته المنظورة عن انهيار الدولة لصالح مجموعات مسلحة متناحرة يطغى فيها الاتجاه المتطرف- كما هو ظاهر حاليا- فتسود البلاد حالة من الحروب المتنقلة بكل أبعادها الفتنوية والانتقامية على أسس طائفية ومذهبية وجهوية وعرقية لا يعلم أحد نهاية لها.علما بأنها تشرّع الأبواب واسعة أمام التدخلات الخارجية: الإقليمية والدولية التي تهدد وحدة البلاد واستقلالها وسيادتها.

&#00 كما يتربص بالشعب السوري ووطنه على هذا المفترق تهديد شديد الخطورة هو أن تقوده الحاجة الماسة واليأس إلى القبول بأي دعم يلوّح به مهما كانت خلفياته أو مكنوناته… وهنا لا نستبعد على الإطلاق أن يكون هذا الوضع مقدّرا ومقصودا من قبل ما يدعونه “المجتمع الدولي” الذي يتبارى أنصاره من قيادات المعارضة في الندب والشكوى ل”عجزه” عن نجدة الشعب السوري والقيام بواجبه الإنساني تجاه مأساته.

&#00في هذه الحال، من غير المستبعد أبدا أن تصبح احتمالات التقسيم واردة كمخرج “سلمي” يدغدغ حاجة الناس لفرصة التقاط الأنفاس واستئناف الحياة…كما يصبح واردا أكثر ظهور المخرج الإسرائيلي كطريق وحيد لإحداث تغيير ما في الأوضاع. وهو الأمر الذي أشارت إليه قبل فترة قصيرة توصيات مؤتمر “هرتزليا” للأمن القومي في إسرائيل، والتي نصت على ما يلي:

&#00&#00 “يجب أن تدعم الولايات المتحدة عملية السلام وتشجع التغيير من خلال عقد&#00 صفقات إقليمية كبرى تتضمن &#00التوصل إلى اتفاق بشأن التصدي للمخاطر الأمنية في المناطق التي انهارت فيها الحوكمة (سوريا وشبه جزيرة سيناء).

ومن شأن الصفقة الإقليمية الكبرى السماح لإسرائيل ليس فقط للمضي قدما في عملية السلام، ولكن يمكن أن يطرح على إسرائيل إمكانية لعب دور بناء في معالجة المشهد الإقليمي الناشئ”.

&#00إن الترجمة العملية لهذا الكلام هي تحويل سورية وشبه جزيرة سيناء إلى فضاء إقليمي أمني وحيوي بالنسبة لإسرائيل.. فتكون هذه هي النتيجة العملية التي تنجلي عنها الأحداث السورية، تماما كما كان تحويل العراق لفضاء إقليمي أمني وحيوي بالنسبة لإيران النتيجة العملية التي تأتت عن الغزو الأمريكي!

هل ما يزال بالإمكان تجنب كل هذه الخيارات السوداء؟

نعم.

غير أن الأمر يحتاج في البداية إلى مقدمات بديهية بعض الشيء.

أولها: أن المسؤولية الأولى في كل ما حدث تقع على عاتق النظام. ليس فقط بسبب رفضه للمطالب الإصلاحية التي بدأت بها الانتفاضة السلمية، ولجوئه إلى الحل الأمني الذي أدخل البلاد في أتون العسكرة، بل قبل ذلك بكونه هو المسؤول، بالاستبداد والفساد، عن الوصول بالأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى درجة القابلية السريعة للاشتعال. وعليه فإن هذه المسؤولية تضع على عاتقه وجوب القيام بالخطوة الأساس الأولى على طريق الحل السلمي. وهي خطوة لا يغني عنها الحديث ليلا ونهارا عن القبول بذلك الحل والتفاوض وغير ذلك.. بل هي تتجسد باتخاذ قرار استراتيجي هو الإعلان الصريح عن قبول التحول إلى نظام ديمقراطي برلماني مدني تعددي حر يقوم على انتخابات نزيهة تحت إشراف دولي. ويقرن هذا الإعلان بإجراءات حسن نية تساهم في تغيير المناخ الدموي المتشنج تتمثل في:

1-&#00&#00&#00 وقف كامل لإطلاق النار، ولو من طرف واحد (مع الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس).

2-&#00&#00&#00 إطلاق سراح جميع المعتقلين والموقوفين على خلفية الأحداث بالإضافة لجميع المعتقلين السياسيين من الفترات السابقة (والأمر لا يمكن أن يكون أصعب من العفو الذي جرى بموجبه إطلاق سراح عشرة آلاف موقوف جنائي في بداية الأحداث شكلوا المادة الخام لمعظم العصابات التي مارست العمليات الإجرامية على هامش الأحداث).

3-&#00&#00&#00 العفو عن جميع المطلوبين والملاحقين والسماح لجميع المنفيين بالعودة إلى الوطن للمساهمة في العملية السلمية.

ثانيها: أن تعلن المعارضة عن استعدادها للتعاون والمشاركة في الوصول إلى مثل هذا التغيير على أساس وثيقة جنيف ومن خلال مؤتمر وطني سوري واسع يتم بإعداد الأمم المتحدة وتحت إشرافها. ومقابلة إجراءات النظام المطلوبة في البند السابق بخطوات مماثلة تشمل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الأسرى والمحتجزين لدى الكتائب والمنظمات المسلحة.

ثالثها: الاعتراف بأن القطاع الأكبر من الشعب السوري هو تلك الكتلة الشعبية الواسعة التي لم تنخرط في القتال. وهي كتلة سيشكل السعي لكسبها، من خلال مصداقية المواقف ووطنيتها، الهدف الأكبر لكل الأطراف الساعية للمشاركة الديمقراطية في صناعة السلام وإعادة بناء الوطن. كما أنها هي الكتلة الأقدر على عزل قوى التطرف في الجانبين وإخراجها من المعادلة الوطنية.

لا شك أن مبادرات الشيخ أحمد معاذ الخطيب قد شكلت محاولة اختراق هامة في هذا الاستعصاء. لكنها تبقى اختراقا عاجزا عن تحقيق الهدف، ما لم تتحول إلى موقف جامع وأساس لكامل أطياف الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ومن ثم لمعظم- إن لم يكن لعموم قوى المعارضة والكتائب المسلحة- ما يتيح للمبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي أن يعتمد عليها وعلى القرار الاستراتيجي المطلوب من النظام، في توجهه نحو مجلس الأمن للحصول على تبنّ دوليّ ملزم للحل السياسي في&#00 سورية على قاعدة وثيقة جنيف والدعوة لمؤتمر وطني سوري عام يتم التفاهم فيه على وثيقة دستورية يجري على ضوئها تشكيل الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات ثم انتخابات نيابية ورئاسية حرة ونزيهة تحت إشراف دولي. وغير ذلك من تتمات.

وبذلك نكون قد خرجنا من عنق الاستعصاء الحالي ودخلنا مجال التسوية السياسية الوطنية ومناخها السلمي العام على أرض وطن ما يزال واحدا.. وإن كان مثخنا بالجراح.
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى