الدكتورة هدى

.:: إدارية الأقـسـام العامـة ::.



الحمد لله رب العالمين , نحمده ونستغفره ونستعينه , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشدا , والصلاة والسلام على من بعث رحمةً للعالمين حبيبنا وإمامنا وقدوتنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

قال الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديدً * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما *} الآية
وقال {يا أيها الذين اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبيرُ بما تعملون *} أما بعد

فإن الأخلاق الإسلامية والتي جاءت نصوصها من الكتاب والسنة , وكانت ولا تزال سمات المؤمنين المتقين الصالحين علمٌ يجب علينا تعلمه , ومنهاجٌ لابد أن نسير على طريقته , إذ أنها لا تزيغ بحاملها إلى مواضع النقد والعيب واللوم , ولا تميل بصاحبها إلى أماكن الذنب والخطيئة والإجرام , ولا توقع بمالكها إلى مواطن الرديئة والخسّة وسفا سف الأمور 0

فهي وحيٌ إلهي , وهديٌ نبوي , وعلامات روحانيّ معطاءة , وتصرفات فضائليّة وضّاءة , وهي خُلُق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال تعالى {وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم}القلم (4) , وهي سلوك المسلم الفقيه بأمور دينه , المتيقن بزوال دنياه ومجيء أخرته , وهي الأجر العظيم ومثوبة من عند الرب الكريم لمن جعلها رداءاً فلبسها , وعمامةً فوضعا فوق رأسه , وأماراتٍ أمام عينيه يهتدي بها إلى الطريق السليم .

لذا فإني أُورد - مستعيناً بالله تعالى - مجموعة من هذه الأخلاق الإسلامية , والتي اخترتها لكونها لصيقةً بتصرفات المسلم في يومه وليلته , ولأننا أصبحنا في مجتمعٍ أصابت أخلاقه الشهوات الدنيويّة , واعترتها الاهتمامات الدونيّة .

ولقد اعتمدت كثيراً على المختصر المفيد , وابتعدت عن الحشو الممل , وطعّمت كل خُلُقٍ ببعض الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة التي تدل على ماهيّته الإسلامية , وصورته الشرعيّة , مسنداً هذه الآيات والأحاديث إلى مواضعها في القرآن الكريم وكتب السنّة .
وأخذت من كلام أهل السلف الصالح رضوان الله عليهم جميعاً ما يعزّز مكانة هذه الأخلاق في نفوسنا , وأوردت بعض القصص القصيرة والمقالات المختصرة والأبيات الشعرية والتي تهدف جميعها إلى وجوب التحلي بهذه الأخلاق الإسلامية الجميلة .

سائلاً الله العلي القدير أن ينفع بهذا العمل الإسلام والمسلمين , وأن يجعل جميع أقوالنا وأعمالنا خالصةً لوجهه الكريم .

سبحان ربك رب العزّة عما يصفون , وسلامٌ على المرسلين , والحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم أجمعين .


الحياء

صاحبه حيُ الضمير , مرهف المشاعر , محب للتواضع , عاشقٌ للهدوء والسكينة .

الحياء مزيّة إسلامية لكل مؤمن خالص إيمانه لله , وشعور يخالج النفس فيترجم على ملامح الوجه .

والحياء خُلُق الإسلام كما قال صلى الله عليه وسلم " لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء " رواه مالك

والحياء أنواع وأولها وأجلها هو الحياء مع الله سبحانه وتعالى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم " استحيوا من الله حق الحياء 0قلنا إنا نستحي من الله يا رسول الله ــ والحمد لله قال : ليس ذلك0 الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما عوى , والبطن وما حوى , وتذكر الموت والبلى , ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا ,وآثر الآخرة على الأولى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء " رواه الترمذي .

هب البعث لم تأتنا رسله *** وحاطمة النار لم تضرم
أليس من الواجب المستحق *** حياء العباد من المنعم

ثم يأتي الحياء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع أوامره واجتناب نواهيه ومحبته والصلاة عليه دائماً , وقراءة سيرته وآثاره , وإفهام الناس وتنويرهم بعلو شأنه وسمو قدره وجلال سنته صلى الله عليه وسلم .

وهناك الحياء في الكلام بتنزيه اللسان عن كل ما يعيبه ويضجه , والحياء في المعاملات مع الناس بإظهار خُلُق المسلم الحقيقي , والابتعاد عن النفاق والبدع والمجاملات الرخيصة التي لا تعدو إلا سفا سف أمور لا يلتفت إليها .

قال علي كرّم الله وجهه : من كسى بالحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه .

وقيل : إن الحياء دليل الخير كلّه .

وقال بعض العلماء : حقيقة الحياء " خُلُقٌ يبعث على ترك القبيح , ويمنع من التقصير في حق ذي الحق .

والحياء ابتعادٌ عن الشبهات , وترفّعٌ على الدنيئات , والتشبث بالمرؤات , والخوف على المكارم , والحرص على المحامد .

ومن لزم الحياء فهو مؤمن , ومن فارقه فقد وقع أسير الذنوب والمعاصي والله المستعان .

يقول ابن القيّم رحمه الله : ومن عقوباتها - أي الذنوب والمعاصي - ذهاب الحياء الذي هو مادة الحياة للقلب , وهو أصل كل خير , وذهابه ذهاب كل خير بأجمعه .

وفي الصحيح أنه قال صلى الله عليه وسلم " الحياء خير كله " وقال " أن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى :"إذا لم تستحي فاصنع ما شئت " أخرجه البخاري وأحمد

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الإيمان بضعٌ وسبعون شعبه أو بضع وستون شعبه , فأفضلها قوا لا إله إلا الله , وأدناها إماطة الأذى عن الطريق , والحياء شعبة من الإيمان" متفق عليه.


الزهد

قال ابن تيميه رحمه الله " الزهد هو ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدنيا في الدار الآخرة , وهو فضول المباح التي لا يستعان بها على طاعة الله عز وجل "

وقيل إن أعلى مراتب القناعة الزهد .

وقال ابن القيّم رحمه الله " لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا , ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين :
النظر الأول : النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها ونقصها وخستها .
النظر الثاني : النظر في الآخرة وإقبالها وبقاءها ودوامه
وقد أورد الله سبحانه وتعالى الكثير من الآيات في كتابه الحكيم التي تدل على فضل الزهد وقلة الرغبة في ملذات الدنيا وشهواتها قال تعالى { اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيثٍ أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرّاً ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور } الحديد (20)

وقال تعالى{ يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنّكم الحياة الدنيا ولا يغرنّكم بالله الغرور } فاطر(5)

وهذا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو القدوة الصالحة لأمته يضرب لنا أروع الأمثلة في الزهد والترفع عن هذه الدنيا الرخيصة , فكانت تمر عليه الأشهر ولم توقد في بيته عليه الصلاة والسلام ناراً , وكان يعيّشه هو وأهله الأسودان التمر والماء , وكان فراشه من أدم , وحشوه من ليف , ونام على الحصير وأثّر ذلك في جنبه.

والزهد لباس الراغب في لقاء الله الطامع في جنته , وظلال المتيقن بدناءة هذه الدنيا وخستها , وعيش المقرّ بفناءها وزوالها .

قال الحسن : لو رأيت الأجل ومروره , لنسيت الأمل وغروره .

وحين تشتد رغبة الإنسان في الدنيا , ويميل إليها ميلاً شديداً , فإنه بذلك أبعد ما يكون عن طاعة الله والتقيد بأوامره , متجاهلاً نهايته الحتميّة , مخدوع بطول الأمل والسوفيّة .

قد شاب رأسي ورأس الدهر لم يشب إن الحريص على الدنيا لفي تعبِ

وقال ابن القيّم رحمه الله إن الزهد أقسام : زهد في الحرام , وزهد في الشبهات , وزهد فيما لايعني من الكلام والنظر والسؤال واللقاء , وزهد في الناس , وزهد في النفس , وزهد جامع لذلك كلّه : وهو الزهد فيما سوى الله وفي كل ما شغلك عنه 0انتهى كلامه رحمه الله0

وقيل لبعض الزهّاد أوصني : دع هم الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها .

وقال أحدهم :
أيا من عاش في الدنيا طويلاً وأفنى العمر في قيلٍ وقالِ
وأتعب نفسه فيما سيفنى وجمّع من حرامٍ أو حلالِ
هب الدنيا تقاد إليك عفواً أليس مصير ذلك للزوالِ

وقال الله تعالى وهو أصدق القائلين : { زُيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن الثواب 0 قل أؤنبكم بخيرٍ من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهّرة ورضوان من الله والله بصيرٌ بالعباد }آل عمران (15,14)0
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى