مرت أيام الشهر الفضيل كالسهم، شهر تتغيرٌ فيه الأنفس، وتتبدل فيه العادات، وهو أفضل استثمار نفسي وديني واجتماعي يمكن أن يحظى به المرء طوال السنة، وفيما ينتظر الكثيرون حدوث معجزة ما، أو ظروفا معينة للتغيير من أنفسهم والتخلص مما يريدون التخلص منه، ينسى الكثير منا أن هذا الشهر بالذات، هو توقيت سنوي مناسب للتغير وللحفاظ على ذلك التغيير بعد انقضائه.
لطالما اعتبرنا رمضان محطة سنغادرها لنعود إلى روتين حياتنا اليومي، أو محضُ رُكنٍ فُرض علينا نُنهي القيام بواجبنا تجاهه ثم نعود لعاداتنا السابقة، قلة منا كانت تعتبره محطة هامة للانتقال إلى حياةٍ أفضل؟
كم واحدا منا يعتبر شهر رمضان بداية لتغييرات كبيرة ستحدث في حياته المقبلة؟
تبدأ الخطوة بتغيير فكرتنا عن الشهر الفضيل، إنه ليس مهمةً ننهيها بسرعة ونتخلص منها لننتقل إلى مهمة أخرى، ينبغي أن ينصبّ تركيزا على أن يكون رمضان كل عام فرصة لتغيير مزيد من العادات السلبية واكتساب عادات أخرى إيجابية، عادات لا ننتظر انتهاء الشهر الفضيل لنتخلى عنها بل نضع خطة لنتمسّك بها حتى بعد انتهائه.
كم واحدا منا يعتبر شهر رمضان بداية لتغييرات كبيرة ستحدث في حياته المقبلة؟
عادة تغيير العادات:

عادات أخلاقية وأخرى صحية، وبعضها اجتماعية، كم مرة كتبنا #العادات السلبية التي ننوي التخلي عنها في رمضان، وبعده، البعض يتخلى عن التدخين في رمضان ولكنه يعود إليه بشراهة في أول يوم من أيام عيد الفطر، البعض يفضل التخلص من الغيبة والنميمة، النوم المفرط، الكسل، الغضب.. وغيرها كثير، في رمضان وفي الغالب ينجح الجميع في التخلص من تلك العادات بسهولة، من الممكن استبدال تلك العادات بعادات أفضل، مثل القراءة، الكتابة، التأمل، المشي، ممارسة الرياضة، وعادات تنظيم الوقت والتخطيط.

العادات الدينية:

لا شك أن رمضان هو شهر العبادات، ما من شهر في السنة يقرّبنا إلى الله عز وجل مثلما يفعل شهر رمضان، النوافل، الصدقة، قيام الليل، قراءة القرآن.. وغيرها من الطاعات التي تهذب أنفسنا وتصلنا بالخالق، كم شخصا يتوقف عن قيام الليل بعد رمضان؟ كم شخصا يتوقف عن قراءة القرآن، أو حضور مجالس العلم، وكم شخصا استطاع أن يحافظ على الطاعات بعد رمضان كي تبقى صلته بالله عز وجل في أفضل حالاتها؟

العادات الاجتماعية:

صلة الأرحام واحدة من العادات الطيبة في الشهر الفضيل، فشهر رمضان يحسّن علاقاتنا بعائلاتنا وأصدقائنا وجيراننا، درجت الأسر العربية على تبادل الزيارات في ليالي رمضان بعد صلاة التراويح للتسامر، والاستمتاع بأجواء عائلية حميمة، غير أن ذلك الأمر ينقطع تقريبا عندما تمر أيام عيد الفطر وتبدأ الحياة بالعودة إلى روتينها الطبيعي، هل فكرنا أنه من الجميل أن نتفق مع أفراد العائلة البعيدين، بأهمية ترتيب لقاء أسبوعي أو على الأقل شهري باستمرار، لكي نحافظ على مكسب صلة الأرحام بعد الشهر الفضيل؟

العادات الصحية:

الالتزام بنظام صحي أمر صعب، وخسارة الوزن معركة شرسة يخوضها الآلاف منا سنويا، الصوم في شهر رمضان فرصة ذهبية للحصول على اللياقة وخسارة الوزن والالتزام بعادات صحية الجيدة، خسارة الوزن والتمسك بعادات صحية هو نصف المعركة ويبقى التحدي الأكبر في الحفاظ على الوزن وعلى النظام الغذائي المتوازن الذي اعتدنا عليه في رمضان والتخلص من الإسراف في الأكل.
المطلوب أن نصوم في رمضان لنتذكر الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، ولنتعلم عادات الأكل السليم، والاقتصاد في الإنفاق، ولكن الحقيقة أن الكثيرين منا يقومون بالعكس، ترتفع نسبة الشراء والتسوق لدى الكثير منا، يفضل أغلبنا تزيين الموائد بما لذ وطاب، ثم تُرفع الأطباق كما هي لتُرمى في النهاية، من الضروري أن نُهذب أنفسنا في الإنفاق والاستهلاك خلال الشهر الفضيل وبعده، وأن نلتزم بنظام أكل سليم ومتوازن، وأن يستمر ذلك النظام لما بعد الشهر الفضيل بدل الانقضاض على الحلويات والأكل في أول يوم من أيام عيد الفطر.
من الضروري أن نُهذب أنفسنا في الإنفاق والاستهلاك خلال الشهر الفضيل وبعده، وأن نلتزم بنظام أكل سليم ومتوازن
رمضان فرصة رائعة وكبيرة لإحداث تغييرات إيجابية في حياتنا كلها، لاكتساب عادات إيجابية والتخلص من أخرى سلبية، لذلك ينبغي أن نستغل هذه الفرصة أحسن استغلال، وأن نستثمر في أنفسنا بالتمسك بما حققناه من مكاسب خلال الشهر الفضيل، رمضان هو الإجابة على كل الأسئلة التي تجعلنا مترددين في التغيير: متى يمكننا التغيير، كيف يمكن أن يحدث التغيير، وهو حلٌّ لمشاكل التماطل والتأجيل والكسل، ولمخاوفنا من أن نفشل في محاولاتنا، رمضان يجنّبنا أي صراع بيننا وبين عادتنا السلبية، نتغيّر في شهر الخير دون أن نشعر بوجود أي صراع داخليّ.
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى