العراق اليوم

مراسل صقور الأبداع من العراق



لم تتعرب بعد كل الخيوط المتصلة بعملية هروب مئات المعتقلين من سجني أبو غريب والتاجي في 22 تموز الفائت، الا أن تقارير استخباراتية غربية، وتحديدا أميركية – بريطانية، تؤكد أن الغرض من العملية مزدوج: اعادة بناء شبكات القاعدة في العراق، وسد النقص في صفوف المقاتلين المتطرفين – يسمون أنفسهم جهاديين – في سوريا.

ويستدل من تقاطع معلومات محلية واقليمية، أن معظم الهاربين من الذين سبق أن تم اعتقالهم في محافظة الأنبار، انضموا الى “جبهة النصرة” التي تخوض معركة مزدوجة في سوريا، ضد جيش النظام كما ضد المعارضة السورية المسلحة، والنصرة، كما هو معروف، متحالفة مع القاعدة أي ما يسمى “دولة العراق الأسلامية”، أما الذين تقرر أن يبقوا في العراق فقد كلفوا بمهمات تنظيمية داخلية لاعادة تشكيل خلايا القاعدة، بالتنسيق مع ما بات يسمى بـ “دولة العراق والشام الأسلامية” التي نشأت بعد الأعلان عن ادماج القاعدة والنصرة.

وتربط معلومات استخبارية أميركية بين اقتحام سجني أبو غريب والتاجي واقتحام سجون أخرى في باكستان وليبيا، في عمليات منسقة أعدت بعناية تسرب بعض تفاصيلها الى الأجهزة الأميركية، ما استتبع في نهاية الأسبوع الفائت اتخاذ قرار أميركي باغلاق مقرات البعثات الدبلوماسية مؤقتا في 21 دولة تنشط فيها القاعدة.

دعم أميركي

وفي الواقع لم يفاجئ اعلان اندماج “النصرة” و”القاعدة” الكثيرين، وغالب الظن ان لا يكون له تأثير ملحوظ داخل سوريا، وعلى المجتمع الدولي الذي رفض تسليح مجموعات على شاكلة “النصرة” نظراً للاشتباه بعلاقتها مع القاعدة، ويعتقد ان اعلان الاندماج لن يحدث تحولاً في الدعم الدولي للمعارضة السورية، ففي مطلع العام الجاري أعلنت الولايات المتحدة عن تقديم مساعدة للمعارضة السورية بقيمة 60 مليون دولار تحتوي على أغذية ومواد طبية، وقد قوبلت هذه المعونة بفتور من قبل بعض قادة المعارضة لأنها محدودة جداً.

خطوة واشنطن التالية كانت رزمة أوسع، شملت إلى جانب المواد الغذائية والطبية سترات واقية للرصاص ومناظير ليلية بقيمة 120 مليون دولار أعلن عنها وزير الخارجية الاميركي جون كيري في لقاء اسطنبول الأخير، وكان كيري قد ألمح الى المعونات الجديدة خلال لقائه بزعماء المعارضة السورية في لندن في وقت سابق بقوله: ان الادارة الاميركية تعقد محادثات متواصلة بشأن زيادة المساعدات للثوار.. واليوم يتم بحث جدي ومتسارع في توسيع دائرة الدعم العسكري.

من ناحية مقابلة تبدو النصرة باستخدامها عمليات التفجير الانتحارية والمتطوعين الأجانب والخطاب الاصولي واعتبار غير السنة من المسلمين كفاراً شبيهة للقاعدة في العراق إيديولوجياً وتكتيكياً، كما ان النصرة ليست المنظمة “الجهادية” الوحيدة التي شاركت في القتال في سوريا، فهناك “أحرار الشام” التي قادت الهجوم على الرقة؛ وهي اول عاصمة اقليمية سقطت في أيدي المعارضة في مطلع العام الجاري؛ ومن المعروف ان “النصرة” تولت قيادة جبهة القتال الرئيسة في حلب وقد تم انشاء محاكم دينية فيها، كما جرت محاولات لمنع بيع السجائر فضلا عن بيع الكرواسان أي الفطائر على شكل هلال.

على نقيض ذلك يرى خبراء أميركيون أن وضع المعارضة السورية على الجبهة، والوضع الأمني في العراق سيتأثران سلبا بالأندماج الأرهابي الذي تدعمه تدخلات بعض القوى الإقليمية.

بعض المحللين يعتقد ان الاندماج سيرفع مستوى تأييد “دولة العراق الاسلامية” للنصرة؛ ويسهل الحصول على مصادر أخرى من المتطوعين الاجانب، لكن النصرة تتلقى حالياً دعماً مهما من “دولة العراق الاسلامية”، وفي المقابل قد ينسحب منها العديد من السوريين الذين انضموا اليها لفعاليتها العملانية بالدرجة الاولى وليس لعقيدتها؛ بل سيتراجع تأييد مصادر أخرى، ففي السابق تعاونت الحكومة التركية مع “النصرة” وزودت وحداتها بالموارد عبر الحدود التركية، ومن المرجح ان يكون هذا التعاون قد انتهى بعد الاعلان عن الدمج وهذا يعني توقف أي شكل من أشكال التأييد وضمناً تدفق المقاتلين الاجانب الى سوريا عبر الحدود التركية، كما من المرجح ان يؤثر على حسابات المملكة العربية السعودية وقطر اذ لا يروق للبلدين تنامي قوة القاعدة قرب حدودهما( قد يستمر الدعم من هاتين الدولتبن على صعيد فردي).

الاندماج ستكون له ايضاً تأثيرات مهمة على الديناميكات والعلاقات المستقبلية بين المجموعات المعارضة والنصرة، فقبل الاعلان عن الاندماج كانت النصرة تلتزم الصمت حول علاقتها بدولة العراق الاسلامية، خلافاً لذلك كانت تركز على جذورها السورية وانها جزء من المعارضة، ولكسب التأييد الشعبي كان من المهم ان ينظر اليها كحركة ملتزمة بمبدأ اسقاط النظام الذي تتبناه المعارضة، وقد كشف البغدادي الامر في رسالته بالفيديو ان العلاقات (بين دولة العراق الاسلامية والنصرة) ابقيت طي الكتمان بهدف أن يتعرف المواطنون الى النصرة من دون ان تكون علاقتها بالقاعدة جلية للعيان، وبالتالي يتم احتضانها على ما تبدو عليه.

آخر التحولات

في هذا السياق يطرح السؤال الآتي: لماذا انتظرت دولة العراق الاسلامية أسابيع طويلة لتكشف وتعلن رسمياً عن طبيعة علاقتها مع “النصرة”؟

في رأي مؤسسة (واشنطن للشرق الاوسط) ان القاعدة ارادت ان يتعرف السوريون الى النصرة وارائها من دون ان تكون لديهم افكار مسبقة تبثها وسائل الاعلام، ويقول آرون زلين من هذه المؤسسة: ان اعلان الدمج يكشف ان “النصرة” و”دولة العراق الاسلامية” تتقاسمان التمويل مناصفة شهريا.

ويضيف: كثيرون من السوريين كانوا على دراية بايديولوجية النصرة ولا يجدون أي ضير في ذلك بسبب الخدمات الاساسية التي تقدمها، لكن مع الاعلان رسمياً عن العلاقة مع القاعدة فإن الرأي العام بدأ يتغير في سوريا إزاءها إذ ينظر إلى الأمر كنوع من الجهاد الأمبريالي الآتي من خارج الحدود .

في الواقع بدأت الانشقاقات الحادة تظهر في صفوف المعارضة المسلحة، بل حصلت اشتباكات محدودة بين عدد من فصائلها، وتتمحور الخلافات في الدرجة الاولى حول التوجيهات العقائدية المتضاربة، وطبيعة النظام الذي سوف يخلف نظام الاسد، والسيطرة على الثروات الطبيعية؛ خصوصا في منطقة الرقة التي عانت من الاهمال لفترة طويلة.

وكانت لجنة حقوق الانسان البرلمانية أكدت، في (2 اب2013)، أن اللجنة المكلفة بمتابعة ملف هروب سجناء ابو غريب والتاجي منعت من دخول سجن ابو غريب من قبل القوات الامنية، فيما أشارت إلى أن الانباء التي تحدثت عن اعدامات جماعية داخل سجن ابو غريب “غير مؤكدة”.

وكانت مفوضية حقوق الإنسان، هاجمت الأحد 28 تموز 2013، بشدة عملية هروب مئات السجناء من سجني أبو غريب والتاجي الأسبوع الماضي، وبينت أنه “منعطف أمني خطير تتحمل مسؤوليته وزارة العدل” القائمة على إدارة وحماية السجون، وفي حين طالبت الأجهزة الأمنية “باتخاذ إجراءات عاجلة لإعادة السجناء الهاربين الى السجن”، دعت مجلس النواب الى “استجواب كافة المسؤولين والقيادات الأمنية”.

وكان رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي أصدر، السبت 27 تموز 2013، أمرا بحجز عدد من الضباط، بينهم قيادات عسكرية رفيعة، بالإضافة إلى مدير عام دائرة السجون، وتحويلهم إلى القضاء بتهمة “التقصير في اداء الواجب”، على خلفية الهجمات التي تعرض لها سجنا التاجي وابو غريب قبل فترة، وفيما اكد ان المؤشرات تؤكد وجود “تراخي” في تنفيذ الاوامر وعدم التعامل مع التحذيرات الاستخبارية بصورة صحيحة.

وأكدت وزارة الداخلية العراقية، السبت 27 تموز 2013، ان عملية هروب السجناء من سجني ابو غريب والتاجي لا يبرر المطالبات بسحب ادارة الملف الامني منها وتسليمه الى اي جهة، بعد مطالبة قياديين في المجلس الاعلى بتسليم الملف الامني لمنظمة بدر.

وكان مصدر في وزارة الداخلية أفاد في،(الـ21 من تموز 2013)، بأن عدة قذائف هاون سقطت على سجن أبو غريب غربي بغداد، (مساء ذلك اليوم)، أعقبها اندلاع اشتباكات بين قوة خاصة جاءت للسجن بعد سقوط القذائف ومسلحين هاجموها أثناء اقترابها من مبنى السجن، كما سقط عدد من قذائف الهاون قرب سجن التاجي (الحوت) أعقبها انفجار عدة عبوات ناسفة على الطريق المؤدي إلى السجن”، مبينا أن “مسلحين مجهولين هاجموا بعد ذلك عناصر حماية السجن مما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين الطرفين.

وكانت القائمة العراقية اتهمت يوم الأربعاء، رئيس الوزراء نوري المالكي بـ”الفشل” في ادارة الملف الامني، وفيما اكدت ان الاجهزة الامنية مخترقة من قبل “الإرهاب والميليشيات”، بعد ان تحولت الى “سيف مسلط على رقاب العراقيين”، أشارت إلى أن قضائي التاجي وابو غريب تعرضتا الى عقاب جماعي بعد عملية هروب السجناء.

وكان مصدر أمني مطلع كشف، الاثنين الماضي، (الـ22 من تموز 2013)، أن عدد النزلاء الهاربين من سجن أبو غريب عقب الهجوم عليه بلغ أكثر من 600 هارب، وتوقع المصدر ارتفاع الهجمات المسلحة خلال المدة المقبلة لأن الهاربين “من اخطر الإرهابيين”، لفت إلى أن عددا كبير من الضحايا سقطوا من الجانبين.

وكانت وزارة العدل أعلنت، يوم الاثنين أيضاً، أن حصيلة ضحايا الهجمات على سجني التاجي وأبو غريب، بلغت 68 قتيلا وجريحا، ولفتت إلى أن نحو تسعة انتحارين وثلاثة سيارات مفخخة استخدمت في الهجمات على السجنين فضلا عن تعرضهما إلى قصف بأكثر من 100 قذيفة هاون، مشيرة إلى تشكيل لجان تحقيقه بالهجمات وإجراء إحصاء للتأكد من عدم هروب السجناء.

يذكر أن معدلات العنف في بغداد شهدت منذ، مطلع شباط 2013، تصاعدا مطردا، إذ ذكرت بعثة الأمم المتحدة في العراق، في الأول من حزيران 2013، أن شهر أيار الماضي، كان الأكثر دموية بعد مقتل وإصابة 3442 عراقيا بعمليات عنف في مناطق متفرقة من البلاد، وأكدت أنها “حزينة جدا” لهذا العدد الكبير، فيما دعت القادة السياسيين العراقيين إلى “التصرف” بشكل عاجل لـ”إيقاف نزيف الدم الذي لا يطاق، في حين شهدت بغداد، في 24 حزيران 2013، مقتل وإصابة 188 شخصا بسلسلة تفجيرات ضربت مناطق متفرقة من العاصمة.

 

المواضيع المشابهة


رد: خيوط عملية أبو غريب – التاجي تتكشف: القاعدة تعيد تشكيل خلاياها في العراق وتسد نقصها في سوريا

مشكور ع لاخبار حبيبي
 

عودة
أعلى