سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

حبيب عيسى : كلنا شركاء&#00

( 1 )

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 في عام 2008 كان قد مضى على مغادرتي الزنزانة المنفردة حوالي عامين … كان المشهد من حولي يبدو ساكناً ، كسكون القبور ، وكان ربيع دمشق الذي حلمنا به مع السنة الأولى من هذا القرن قد أضحى صفحة من الماضي لا يذكرّنا به أحد إلا من باب المواساة لنا عن السنوات التي قضيناها في الزنازين دون فائدة ، كان البعض يتجّمل فلا ينعتنا بالغباء ، بينما كان البعض الآخر لا يخفي الشماتة والسخرية مما فعلناه ، ومما ُفعل بنا … لكن الأدهى من ذلك كله كان السخرية من الحلم بمستقبل مختلف … فقد آن لنا أن نرضى بالواقع كما هو بل علينا أن نعتذر له ونشكره لأنه يقبل بنا … بدأ اليأس يطغى … رغم أنني ، وفي أقسى الظروف كنت أردد تلك العبارة الشهيرة : ” لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة ” كان كل ما حولي يوحي بالاجدوى … كنت أراقب الجيل الجديد من خلال رفاق أولادي الذين بدأوا يضيقون ذرعاً عندما أقحم نفسي عليهم محاولاً الحديث معهم عن مستقبلهم ومستقبل الوطن كانت اهتماماتهم في مكان آخر رموز البطولة عندهم رونالدو وميسي ونيدال و … ومادونا … وفي كل مرة كان علي أن أنسحب غير مأسوف على وجودي … حتى أصدقاء ورفاق ربيع دمشق تفرقت بهم السبل في مسارات مختلفة وخلافية ، وبما أنني كنت قد حسمت أمري بأن لا أكون مع أحد في مواجهة آخر فقد انعزلت ، أو قررت عزل نفسي عن الصراعات داخل ما يسمى “المعارضة” ، لم يكن ذلك هروباً من تحديد موقف … وإنما كان موقفاً حاسماً بأن سورية ، وبعد عقود من التصحر السياسي بحاجة إلى تحالف وطني شامل يضم صقوراً وحمائم يؤسسون لإنتاج سياسة وطنية ، أما الصراع الإيديولوجي فمؤجل إلى ما بعد قيام مؤسسات الدولة الوطنية التي يجب أن يتحالف الجميع في بنائها&#00 ، فالوقت إذن ليس للصراع والمهاترات ، وإنما للتحالف الوطني ، هكذا وجدت نفسي وحيداً معزولاً … ، كنت ألتقي يومها بصديق روحي الشيخ الجليل جودت سعيد نشترك في رفض مهادنة الواقع بكل مرتكزاته السلطوية والمتخلفة والتكفيرية والغرائزية ونرفع الصوت ولو كان وحيداً … ، كان يبث لي همومه ومخاوفه فهذا السكون ، بحسب رأيه ، سيؤدي إلى الإحباط الشديد ، الذي سيؤدي بدوره إلى العنف الذي يمقته ، ويعرف بدقة مخاطره على المجتمع ، وكيف أن الكثيرين ممن حوله بدأوا يفصحون له عن يأسهم من اللاعنف الذي يدعوا إليه …في مواجهة التوحش الذي يطبق على المجتمع والذي يجب ان يواجه بتوحش من نفس النوع ، وكنت بدوري أبثه همومي عن فشل أبناء جيلي الذين كانوا يحلمون بمشروع نهضوي عربي ، ففشلوا في أن يكونوا نهضويين ، وفشلوا في أن يكونوا عرباً ، وإنهم يفصحون لي عن يأسهم من المشروع النهضوي العربي الذي أدعوا إليه ، وأنهم يشفقون علي من الاستمرار في الجري وراء الأوهام … هكذا كان البعض من تلامذته يرون أن مواجهة كل هذا التوحش والغرائزية باللاعنف دعوة غير واقعية ، وهكذا كان الكثير من رفاقي يرون أن مشروع النهوض العربي بات من الماضي وعلينا أن نكون واقعيين فنقر بالهزيمة ونكف عن الأوهام ، يومها ، وكبادرة تحد لهذا الواقع اتجهنا : هو ، وأنا معاً لرفع الصوت عالياً من مخاطر تغييب المجتمع عن السياسة ، وكيف سيؤدي هذا إلى العنف المجتمعي من جهة ، وإلى وأد مشروع النهضة والتحرر من جهة أخرى …

( 2 )

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 يطغى ذلك المشهد على مخيلتي هذه الأيام ، والبلاد غارقة بالدماء ، يومها ، ومنذ خمس سنوات ، اتصل بي صوت لا أعرفه قال : نحن مجموعة من الشباب القومي قررنا تأسيس موقع ألكتروني لك&#00 تحت أسم “أنصار الطليعة العربية” سنرسل لك رسالة بعنوانه ومفتاحه وبريده ما عليك إلا أن ترسل لنا مقالاتك ورأيك ورؤيتك لخط الموقع ونحن سننفذ … قلت : ومن أنتم&#00 … ؟ ، قال : لا يهم ستعرف فيما بعد ، وأغلق الخط … بعد قليل وصلتني رسالة تحمل رموزاً وأرقاماً لا أعرف التعامل معها … لا أنكر أن تلك المكالمة أنعشت أحلامي ، فأنا لست وحيداً إلى حد اليأس ، لكن ما أن أعدت التفكير بالأمر حتى وجدت نفسي أمام سؤال : لماذا لا يكون ذلك فخ أمني …؟ ، وسرعان ما أجبت ليكن … ، وهل لدي ما أخفيه منذ زمن قررت الجهر بأفكاري ، وحتى بأحلامي ومستعد لدفع الثمن ، كان ذلك الاتصال في منتصف شهر شباط – فبراير – 2008 ، وكانت الذكرى الخمسين للجمهورية العربية المتحدة بعد أسبوع ، فبدأت بالكتابة عنها ، واخترت ذلك العنوان ” على بساط الثلاثاء ” أما لماذا “الثلاثاء” فهذا أوضحته في حينه ، وبدأت أشعر أن هناك من يتفاعل مع ما أكتب ، ثم بدأت أتعامل بحذر مع الكومبيوتر والأنترنيت ، فيرسل لي شاب عربي آخر من كندا رسالة أنهم مجموعة من الشباب القومي هناك قرروا فتح صفحة خاصة لي على “الفيسبوك” يحاورون فيها حول ما أكتب … بالمناسبة لم أشاهد تلك الصفحة إلا بعد عامين ، فلم يكن “الفيسبوك” مسموحاً في سورية … المهم ، ومع شعوري بعدم اهتمام الكثيريين بما أكتب لأنه خارج السياق السائد ، قررت المعاندة ، فأنا سأكتب إلى جيل عربي لا بد أنه قادم ، ولو كان ذلك بعد رحيلي ،&#00 عن مشروع النهوض والتحرر والحرية والدروس المستفادة من فشل جيلنا ، حتى لا تكرر الأجيال القادمة إنتاج الفشل ، وبالتالي كنت أكتب بتجرد بعيداً عن الواقع المر … أكتب عن وطن ومواطنين كما أحلم أن يكون ، وأن يكونوا…

( 3 )

&#00&#00&#00&#00&#00 &#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00كتبت يومها عن الضوابط المطلوبة لاستئناف مشروع النهوض والتحرر وشروط تجاوز المحنة ، وقد كان سابع تلك الضوابط كما وردت تجنب العنف في مجتمع تعرّض نسيجه الاجتماعي للوهن الشديد نتيجة عوامل عديدة تتعلق بالعصبويات التي توظفها عادة أجهزة النظم الشمولية الاستبدادية ثم تنفلت وتخرج عن السيطرة ، فالعنف في تلك الحالة لا يمكن ضبطه في اتجاه واحد ، وإنما ينفجر عشوائياً في المجتمع ، ففي الحلقة 31 من “على بساط الثلاثاء” ، وكان تاريخها خريف عام 2008 ، قلت بالحرف الواحد ، وأرجو أن تسمحوا لي بنقل النص كما ورد في حينه : &#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00.&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00

(سابعاً ، سابع الضوابط&#00 التي لابد منها&#00 لاستئناف مسيرة النهضة&#00 والتنوير في الوطن العربي ، هو&#00 نبذ العنف داخل المجتمع العربي ، نبذه&#00 ، مطلقاً ، في قضايا الصراع الاجتماعي ، والثقافي ، والسياسي ، والفكري ، والديني ، ونحن ، لا نمل من تكرار هذا ، ذلك أن العنف داخل المجتمع العربي ، لا يمكن السيطرة عليه ، قد تعرف كيف تبدأه ، لكنك ، أبداً ، لا تعرف ، كيف&#00 يمكن أن ينتهي ، العنف بين قوى المجتمع ، هو ، تدمير للمجتمع ، للأطراف ، كلها ، دون استثناء ، وبالتالي ، لا بد من قرار ضمني ، لابد من عهد ، وميثاق ، بتحصين المجتمع العربي ، من أشكال العنف على مختلف أشكالها ،وأنواعها ، داخل المجتمع ، وهذا يتطلب جهوزية عالية ، لقوى النهضة ، والتنوير ، بأن ترفض الاستفزاز ، ترفض ، حتى مواجهة العنف ، بالعنف ، ترفض التصرف ، بردود الأفعال ،ذلك أنها ( أم الصبي) في الأحوال كلها ، ولأن ، قوى الظلام ، والاستبداد ، غير متضررة من تدمير المجتمع ، وتهتك نسيجه ، بل ، إنها ، ساعية لذلك ، لهذا ، لابد ، من مواجهتها ، بمنعها من تحقيق ذلك&#00 بجميع الوسائل&#00 والسبل ، وذلك&#00 باعتماد الرأي&#00 بمواجهة الرأي ، ومقارعة الحجة&#00 بالحجة ، وفتح الأجواء&#00 لجميع الأفكار&#00 والآراء ، حتى&#00 الاستفزاز&#00 والعنف&#00 من قبل قوى الظلام&#00 والاستبداد&#00 يجب أن يواجه&#00 بالعقلانية والرأي الصائب ، والموقف الصحيح&#00 بمواجهة الخطأ ، والقمع ، والاستفزاز ، باختصار شديد ، لابد من تعرية أساليب قوى الاستبداد ، والظلام ، بمواقف حاسمة ، وفعالة ، بحيث يتم عزلها ، وتفكيكها ، وفضح جميع التبريرات لاستخدام العنف ، والقمع ، على المجتمع ، ذلك ، أن محاصرة العنف ، لا يمكن أن تتم ، إلا ،&#00 بحيث يبقى أحادي الحد ، لا يجد ، حده ، المقابل ، لأن ذلك ، يفقده مبررات حدوثه ،فيسقط ، ويسقط المحرضين عليه . إن ، هذا ، لا يعني على الإطلاق ، الاستسلام ، لقوى الاستبداد ، والظلام ، أو الكف عن مقاومتها ، وإنما يعني ، على العكس تماماً ، الانتقال إلى الأساليب ، الأكثر مضاء ، وفعالية ، في مواجهة قوى الاستبداد ، والظلام ، من جهة ، وجيوش الغزاة ، والمحتلين ، من جهة أخرى .) – “على بساط الثلاثاء – 31 “.

( 4 )

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 أردت مما تقدم أن أؤكد موقفي السابق واللاحق بأنني وضعت قاعدة أنطلق منها وهي أن العنف يستخدم حصراً في مقاومة العدوان الخارجي على الوطن من قوى خارجية وأن استخدامه من قبل أجهزة السلطة ، أو من قبل المواطنين على المجتمع ، أوفي المجتمع ، أو من المجتمع جريمة تاريخية … وحتى مؤسسات السلطة المسموح لها باستخدام السلاح بدءاً من المؤسسات العسكرية للدفاع عن الوطن إلى المؤسسات الأمنية لحفظ أمن الوطن وانتهاء بأجهزة الضابطة العدلية لملاحقة المجرمين ، يجب أن تكون محكومة بضوابط قانونية صارمة وذلك ليكون استخدام القوة بالقدر المطلوب قانوناً لا أقل ولا أكثر حتى لا نصل إلى خرق القانون بالاستخدام المفرط للقوة … وإذا كانت تلك الضوابط يجب أن تكون صارمة في حالات الاستقرار الاجتماعي المحكوم بسلطة وطنية تمثيلية تخضع هي للقوانين والنظام العام قبل أن ُتخضع المجتمع لها ، فأن العنف في ظل القلق الاجتماعي والسلطات الشمولية وغياب المؤسسات السياسية الحزبية يؤدي إلى انفلاته لينفجر في المجتمع فيهدد جذور الكيان الاجتماعي وتتطاير شظاياه في الاتجاهات كلها بحيث لا يمكن حصره في اتجاه واحد ، فيتحول من عنف سلطة باتجاه مجتمع أو عنف مجتمع باتجاه سلطة إلى عنف داخل مؤسسات السلطة على شكل انشقاقات وتمرد وإلى عنف داخل المجتمع عصبويات عرقية ودينية وطائفية ومذهبية ، وهذا ما يتم التعبير عنه اصطلاحاً بالحروب الأهلية …

( 5 )

&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00&#00 هكذا كان موقفي من العنف ومازال ، فقد نقلت رؤية نظرية مجردة وتحذيرية من العنف مضى عليها خمس سنوات ، وأضفت عليها قراءة جديدة لكنها أيضاً نظرية ومجردة ، فهل يكفي أن نقول أننا ضد العنف وننشغل بتوزيع المسؤولية عنه ، ومن أدى إليه ، ومن بدأه ، ثم ننشغل بالمهاترات والشتائم ونتهرب من مواجهة المشكلة الأساسية وهي أن العنف بات واقعاً موضوعياً وآثاره المدمرة باتت واقعاً ملموساً يجب مواجهته : كيف ؟ وبمن ؟ وبماذا ، ومتى ؟ وأين ؟ لقد كان التنظير مقبولاً : “قبل وقوع الفأس بالرأس” كما يقول المثل الشعبي ، لكن والفؤوس بدأت تدق الرؤوس ، فأن&#00 التنظير المجرد بات مجرد ثرثرة إذا لم يرتبط بآليات وعمل ميداني وبرنامج محدد يرسم الطريق واضحة من الواقع الموضوعي كما هو فعلاً وصولاً إلى ما يجب أن يكون ، وما هي الأدوات والوسائل ، وما هي العقبات ومن هي القوى الوطنية الحاملة لمشروع الخلاص وكيفية حشدها ، ومن هي القوى المعادية وكيفية مواجهتها ، فقد نحتاج إلى العقل والحكمة والتسامح في مكان وقد يكون لا بد من استخدام القوة الوطنية المحكومة بالعقل والحكمة في موقع آخر ، وإلا يتساوى المتفرجون والباحثون عن تبريرات لسلبيتهم بأنهم سلميون مع المجرمين القتلة أياً كانوا ، فالقضية لم تعد : من مع السلمية ؟ ، ومن مع العنف ؟ ، فالسلمية في&#00 غير موقعها تخاذل ، والعنف في غير محله جريمة ، وبالتالي ، فأن الخروج من المحنة يتطلب السلمية الحكيمة والقوة الراشدة معاً … والسؤال المهم : كيف نرّشد السلاح ؟ ، وهنا يجب أن ُيطرح السؤال التاريخي : ما العمل ؟ بشرط أن لا يُطرح لتبرير العجز ، ولا يُطرح على الآخر للتهرب من المسؤولية ، وإنما يطرحه كل واحد فينا على ذاته أولاً ، ويجيب على الأسئلة الصعبة … ثم بعد ذلك وليس قبله يُطرح الموضوع على الآخرين لتفعيل “الجدل الاجتماعي” حوله وصولاً إلى رؤية وطنية ، وعمل وطني ينقذ الوطن والمواطنة من جرائم القتل والتخريب ، وقبل ذلك ومعه من القتلة والمخربين …
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى