الدكتورة هدى

.:: إدارية الأقـسـام العامـة ::.

السلام عليكم

مقدمة لأحمد شوقي

أحمد شوقي شاعر مصري يتمتع بموهبة شعرية فريدة بحسب شهادات العديد من النقاد والشعراء والكتاب. هدية ومنتج شعري ، حيث تجاوز عدد أبياته الشعرية ثلاثة وعشرين ألف آية وخمسمائة ، وعمل شوقي أيضًا على إحياء الشعر العربي وإعادته إلى المستوى الرفيع الذي كان عليه في العصور القديمة بعد أن تخلص مما حدث. له من النحافة والانحلال في ذلك الوقت ، وقد ساعد ذلك في تمثيله واقتباسه بين عظام الشعراء المتقدمين ، مثل المتنبي وابن زيدون والبحتري وغيرهم.

نشأة أحمد شوقي وتعليمه
ولد أحمد شوقي الشاعر المصري في القاهرة، في حين اختُلف في تاريخ ولادته، إلّا أنّ معظم الكتاب اتفقوا أنّ ولادته كانت سنة 1868م، وينتمي أحمد شوقي إلى عدة أصول، فجده لأبیه ينحدر من أصول كردية، وجده لأمه تركي، أمّا جدته لأمه فكانت يونانية، وقد كان شوقي وحيد والديه، فحظي بالحب والاهتمام والعناية والرعاية، وتربى في بواكير طفولته في أحضان جدته لأمه، وعاش معها في قصر الخديوي حيث نشأ وترعرع، وفي عام 1873م ألحقه والده بكُتّاب الشيخ صالح، حيث تلقى علومه الأولى هناك لمدة أربع سنوات، ثم انتقل إلى مدرسة المبتديان الابتدائية التي شهدت ولادة موهبته الأدبية، إذ نظم أثناء دراسته فيها أول أبياته الشعريّة.


_%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF_%D8%B4%D9%88%D9%82%D9%8A.jpg

شعر أحمد شوقي بين القديم والحديث
امتاز شعر أحمد شوقي بالأصالة، فقد نهل من الشعر القديم، وسار على نهج فحوله، وحذا حذوهم لا سيما أنّ بداياته في الشعر كانت شبيهة ببدايات أكثرهم، أي في شعر المدح، كمدح الملوك وأمراء القصور وحاشيتهم، إلا أنّه ترفع عن الهجاء اللاذع، فقد كان عفيف اللسان، فلم يجرح أحداً بهجاء، وحاكى بقصائده قصائد القدماء وعارضها، أي أنشأ قصائده على نفس قافية قصائدهم ووزنها، ومن هؤلاء الشعراء الذين عارض قصائدهم البحتري، وابن زيدون، وأبي العلاء المعري، والبوصيري، وأبي تمام، ومن الأمثلة على هذه المعارضات، أبيات من قصيدة عارض فيها سينية البحتري كانت تقول:

اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي

اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ

صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ

وأبيات أخرى من قصيدة عارض فيها نونية ابن زيدون :

يا نائح الطلح أشباه عوادينا

نشجى لواديك أم نأسى لوادينا
ماذا تقص علينا غير أن يــدا

قصت جناحك جالت فى مواشينا؟

كما اتخذ شوقي الشاعر المتنبي أنموذجاً له، فحذا حذوه في تحقيق أهدافه، وقلّده في شعره، كما فعل حين سمع عن وفاة والدته وهو في الأندلس حيث رثاها رثاءً مشابهاً لرثاء المتنبي لجدته فقال

إِلى اللَهِ أَشكو مِن عَوادي النَوى سَهما

أَصابَ سُوَيداءَ الفُؤادِ وَما أَصمى
أَتَيتِ بِهِ لَم يَنظُمِ الشِعرَ

مِثلَهُ وَجِئتِ لِأَخلاقِ الكِرامِ بِهِ نَظما

حافظ أحمد شوقي على روح الشعرالعربي القديم، غير أنّه سعى إلى التجديد فيه، متأثراً بشعراء الغرب الذين اطّلع على أدبهم أثناء دراسته في بلادهم، وأثناء تواجده في المنفى في إسبانيا، ومن هؤلاء الأدباء شكسبير، وكورنيل، وراسين، لكنه ورغم ذلك لم يستطع تحقيق هدفه في التجديد في بداية حياته، فارتباطه في قصر الخديوي وقف حائلاً دون هذا بسبب التقاليد، وحين أتيحت له الفرصة لذلك وتحررّ من القيود التي كانت تحدّ من حريته في التجديد انطلق في النظم ورسم صورة جديدة للشعر في المعنى والمبنى، بل وأدخل عليه مواضيع جديدة عدّة، مما جعله يبتكر أساليب جديدة في القول والوصف، فأنشأ قصائد تتّسم بمتانة النسيج ورصانة النظم، وجزالة الألفاظ، حيثّ مثّل هذا تأثّره بشعر القدماء، رغم تزيينه للشعر بإلباسه ثوب الجِدّة والحداثة.


أما مظاهر التجديد في شعر شوقي فهي كالآتي

في التاريخ: اهتم شوقي بالتاريخ اهتماماً كبيراً، ومما يدّل على اهتمامه هذا قوله :"الشعر ابن أبويه الطبيعة والتاريخ"، وقد نظم شوقي عدة قصائد في هذا الباب، منها قصائد في عظماء العرب والمسلمين، وقصائد لوصف أحداث تاريخية معينة، كوصفه للحوادث العثمانية، ونكبة دمشق، ومثالاً على قصائده في التاريخ هذه الأبيات من قصيدته كنارفون:
أفضى إلى خَتْم الزمان ففضَّه

وحبا إلى التاريخ في محرابه
وطوى القرونَ القَهْقَرى حتى أتى

فرعونَ بين طعامه وشراب
الشعر القومي والوطني: لقد عًرف شوقي بوطنيته وحبه للعروبة، وقد تجلّت وطنيته في قصائده الوطنية التي مجّد فيها آثار السابقين من أفذاذ الرجال، وأزال غبار السنين عن عهودهم ليخلّدهم في أذهان الأجيال جيلاً بعد جيل، فقال في قصيدته تمثال نهضة مصر:
جعلتُ حُلاها وتمثالها

عيونَ القووافي وأمثالها
وأَرسلتُها في سماءِ الخيال

تجرُّ على النجم أذيالها

شعر المناسبات:
اشتهر أحمد شوقي بشعر المناسبات، فنظم العديد من القصائد في مناسبات عديدة تخصّ الشرق والغرب، وقد اتسم هذا النوع من الشعر عند شوقي بسمات أوروبية، حيث أدخل إلى قصائده مسحة من الشعر القصصي والتاريخي، ووصف بعض مظاهر الحضارة الحديثة، كوصف الطائرات، والسفن، والغوّاصات، إضافة إلى وصفه للمدن لا سيما المدن المنكوبة، ومن ذلك قوله في رثاء الأندلس ووقوفه على أطلالها:
شرفًا أدرنةُ هكذا يقفُ الحمى

للغاصِبين وتثبتُ الأقدام
وتُرَدُّ بالدم بقعةٌ أخذت به

ويموتُ دون عرينِه الضِرغام
والملكُ يؤخذ أو يُرَدُّ ولم يزل

يرثُ الحسامَ على البلاد حسام
الشعر المسرحي:
عُدَّ شوقي رائد الشعر المسرحي العربي دون منازع، وقد جاء شعره المسرحي متأثراً بالمسرح الغنائي وليس بالمسرح التحليلي، وتناول مادة مسرحياته الأولية من التاريخ، كما وامتازت مسرحيات شوقي بالقوة، مثل مسرحية (مصرع كيليو باترا)، ومسرحية (مجنون ليلى).
شعر الأطفال: نظم أحمد شوقي الشعر للأطفال، فترجم للفرنسي لافونتين بعض الذكريات، وكتب لهم شعراً قصصياً يدور على ألسنة الحيوانات، وقد أُدرج هذا الشعر في كتب المدارس، ومثالاً على ذلك تلك الأبيات من قصيدة الثعلب والديك:
برز الثعلبُ يوماً

في شعار الواعِظينا
فمشى في الأرضِ يهذي

ويسبُّ الماكرينا
ويقولُ : الحمدُ للـه

إلهِ العالمينا
يا عِباد الله، تُوبُوا

فهْوَ كهفُ التائبينا

شعر الوصف والطبيعة:

تنوّع الوصف عند أحمد شوقي، وشمل مظاهر متعددة من الحياة، وقد تجلى الوصف عنده في رسم صورة الموصوف من الخارج دون أن يعكس عليها مشاعره النفسية، ومن ذلك وصفه لشواهد تاريخية كما في قصيدة (أبو الهول) وقصيدة (توت عنخ آمون)، إضافة إلى وصف الطبيعة كما في قصيدة (وصف النخيل).
الشعر الذاتي الوجداني: لم ينظم شوقي الكثير من هذا النوع من الشعر، وهو الشعر الذي يعبِّر فيه الشاعر عن مكنون أحاسيسه، مصوراً فيه انفعالاته ومشاعره المختلفة.


الأغراض الشعرية في قصائد أحمد شوقي
لقد تعددت الأغراض الشعرية في شعر أحمد شوقي فقد نظم الشعر في كافة أغراضه؛ من مديح، ورثاء، وغزل، ووصف، وحكمة، لكنه مزج هذه الأغراض مع بعضها، فكان إذا أنشأ قصيدة في المدح مثلاً يدخل إليها أغراضاً أخرى كالدين والوصف والحكمة، وإذا أنشأ قصيدة بالوصف مزج معها التاريخ، والوطنية، والفخر وهكذا، وكان قليلاً ما يبني قصيدة مقتصرة على غرض واحد، وهذا لأن شوقي كان يهدف إلى جعل الشعر فناً متنوعاً، بحيث تحتوي القصيدة الواحدة على عدة فنون مختلفة، ومن الأمثلة على ذلك هذه الأبيات من مطلع قصيدته التي رثا فيها (اللورد كارنارفون) الذي اكتشف قبر (توت عنخ آمون) حيث أضاف الحكمة الدينية إلى قصيدة الرثاء:[٥]

في الموت ما أعيا وفي أسبابه

كل امرئ رهنٌ بطَيّ كتابِه


مميزات شعر أحمد شوقي
تعتبر اللغة في شعر شوقي من أهم ميزاته، فشوقي شاعر ذو لغة عربية سليمة اعتنى بالألفاظ عناية كبيرة، فأعاد الروح إلى الألفاظ العربية القديمة وأنعشها، وكان اهتمامه هذا باللفظ يمثل خصوصیة من خصائص فنّه، لا سيما أنّ الله وهبه قدرة على اختيار الألفاظ وتنسيقها، وهذا ما يتجلّى في هذه الأبيات من قصيدة كتبها عن لبنان، وقال فيها:[٢]

وَأَغَنَّ أَكحَلَ مِن مَها بِكَفَّيهِ

عَلِقَت مَحاجِرُهُ دَمي وَعَلِقتُهُ
لُبنانُ دارَتُهُ وَفيهِ كِناسُهُ

بَينَ القَنا الخَطّارِ خُطَّ نَحَيتُهُ
السَلسَبيلُ مِنَ الجَداوِلِ وَردُهُ

وَالآسُ مِن خُضرِ الخَمائِلِ قوتُهُ

امتاز شوقي بالشعر الغنائي، فقد غلب الطابع الغنائي على شعره الذي امتلأ بالموسيقى لا سيما أنّ الله قد حباه بأذن موسيقيّة موهوبة، ومن شعره الغنائي هذه الأبيات:[٧]

مُضناك جفاهُ مَرْقَدُه

وبكاه ورَحَّمَ عُوَّدُهُ
حيرانُ القلبِ مُعَذَّبُهُ

مقروح الجفنِ مسهَّدُه
يستهوي الوُرْق تأوُّهه

ويذيب الصخرَ تنهُّدهُ

أهم أعمال أحمد شوقي

ترك أحمد شوقي نتاجاً أدبياً متنوعاً في الشعر والنثر، فقد جُمعت أعماله الشعرية في ديوان ضخم عرفُ باسم (الشوقيّات)، ويتكون هذا الديوان من سبعة أجزاء، نُشرالجزء الأوّل منه في حياة الشاعر وذلك سنة 1925م، والجزء الثاني نُشر سنة 1930م، والجزء الثالث نُشر سنة 1933م، أمّا الجزء الرابع فقد نُشر سنة 1943م، ترك شوقي بالإضافة إلى ذلك الديوان مجموعة كبيرة من المسرحيات الشعرية، والتي كانت تراجيدية مستوحاة من التاريخ، باستثناء واحدة قد كانت ملهاة مستوحاة من الواقع المصري المعاصر، وهي الست هدى، ومن الأمثلة على هذه المسرحيات مجنون ليلى التي طُبعت سنة 1931م، وعنترة، وعلي بيك الكبير التي طُبعت سنة 1932م، وقميز، وأميرة الأندلس وهي مسرحية نثرية طُبعت سنة 1932م.[٨]


ترك شوقي خمس روايات كنتاج نثري محفوظ، كان قد استوحى مادة ثلاث منها من التاريخ الفرعوني القديم وهي: رواية عذراء الهند وقد طُبعت سنة 1897م، ورواية لادياس أو آخر الفراعنة والتي طُبعت سنة 1897م، ورواية دل وتيمان أو آخر الفراعنة، وهي تتمة لرواية لادياس حيث طُبعت سنة 1899م، ورواية شيطان بنتاءور أو لبد لقمان، وهدهد سليمان، والتي طُبعت سنة 1901م، وهذه الرواية تختلف عن سابقاتها فهي عبارة عن مقامات شعرية على شكل حوار بين طائر الهدهد الذي يمثل الشاعر أحمد شوقي، وطائر النسر الذي يمثل بنتاؤور وهو شاعر فرعوني قديم، ورواية ورقة الآس، وهي رواية عربية تعود أحداثها إلى عام 272م، وقد كتبها سنة 1905م، كما وترك في النثر مجموعة من المقالات الاجتماعية التي تحتوي على عدة موضوعات مختلفة تحدثت عن الحرية والوطن وقناة السويس والأهرام والموت والجندي المجهول، زينها بالحِكم التي اكتسبها من تجاربه الشخصية، وقد جُمعت هذه المقالات سنة 1932م، تحت عنوان (أسواق الذهب


وفاة أحمد شوقي

توفي أحمد شوقي بعد مدّة قضاها مع المرض في الرابع عشر من تشرين الأول سنة 1932م، وذلك بعد تتويجه أميراً للشعراء بخمس سنوات عندما انصرف خلالها إلى أدبه، واعتكف في بيته بسبب مرضه، منقطعاً عن العمل السياسي، متفرغاً للمطالعة والتأليف، وقد ألف في أواخر حياته عدداً من أجمل روائعه المسرحية، وهي: مجنون ليلى، وقميز، والست هدى، وعلي بك الكبير، والبخيلة، وكان أحمد شوقي رحمه الله قد أوصى أن يُكتب على قبره هذان البيتان من قصيدة نهج البردة:

يا أَحمَدَ الخَيرِ لـي جــاهٌ بِتَسمِيَتـي

وَكَيفَ لا يَتَسامى بِالرَسـولِ سَمــي
إِن جَلَّ ذَنبي عَـنِ الغُفــــــرانِ لـي أَمَـلٌ

في اللَـهِ يَجعَلُنـي فـي خَيـــــــرِ مُعتَصِـمِ
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى