محمد عاطف

Administrator
طاقم الإدارة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بـســم الله الـــرحـمــن الرحيـــــم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ




عن أبي سعيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى

الله عليه وسلم " ومن يستعفف يُعفّه الله ومن يستغن

يُغنه الله ومــن يَتَصَبَّر يُصّبِّره الله ومـــا أعطِيَ أحد

عطاء خيراً وأوسع من الصبر" رواه البخاري



هـذا الحديث اشتمل عــلى أربع جمل جامعــة نافعة :

إحداها : قوله " ومن يستعفف يعفه الله "

والثانية : قوله " ومن يستغن يغنه الله "



وهاتان الجملتان متلازمتان ، فــــإن كمال العبـد فـي

إخلاصه لله رغبة ورهبة وتعلقاً به دون المخلوقين ،

فعلـيه أن يسعى لتحقيق هذا الكمال ويعمل كـل سبب


يوصله إلى ذلك حتى يكون عبداً لله حقاً حُرّاً من رق

المخلوقين . وذلك بـــأن يجاهد نفسـه على أمرين :

انصرافها عــن التعلق بالمخلوقين بالاستعفاف عما

في أيديهم . فـــلا يطلبـــه بمقاله ولا بلسان حاله .



ولهـــذا قال صلّى الله عليه وسلم لعمر " مـــا جاءك

من هـذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه .

ومالا فلا تتبعه نفسَك " رواه مسلم ،



فقطع الإشراف فـــي القلب والسؤال باللسان ، تعففاً

وترفعاً عـن مِنن الخلق وعـــن تعلق القلب بهـــم ،

سبب قوي لحصول العفة .



وتمام ذلك : أن يجاهـد نفسه على الأمر .



الثــاني : وهو الاستغناء بالله والثقة بكفايته ، فإنــه

من يتوكل على الله فهو حسبه .وهذا هو المقصود .

والأول وسيلة إلى هذا.



فـإن مـن استعف عما في أيدي الناس وعمـــا ينالــه

منهم : أوجب لـــه ذلك أن يقوى تعلقه بالله ورجاؤه

وطمعه في فضل الله وإحسانه ، ويحسن ظنه وثقته


بربه . والله تعالى عنـد حسن ظـن عبده بـه إن ظن

خيـراً فلـه ، وإن ظـن غيـره فله . وكــل واحد مــن

الأمريـن يمــد الآخـر فيقـويه . فكلمـــا قوي تعلقه

بالله ضعف تعلقـه بالمخلوقين وبالعكس .



ومــن دعــاء النبي صلّى الله عليه وسلم " اللهم إني

أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى " رواه مســلـم

فجمـع الخير كله في هذا الدعاء . فالهدى : هو العلم


النافع . والتقى : العمل الصالح ، وتـــرك المحرمات

كلها . هـذا صلاح الديــن . وتمام ذلك بصلاح القلب

وطمأنينته بالعفاف عـن الخلق والغنى بالله . ومن

كان غنياً بالله فهو الغني حقاً ،وإن قلت حواصله .



فليس الغنى عن كثرة العَرَض إنما الغنى غنى القلب.

وبالعفاف والغنى يتم للعبد الحياة الطيبة والنعيــم

الدنيوي والقناعة بما آتاه الله .



والثالثة قوله "ومن يتصبر يصبـــره الله " .


ثــم ذكـر في الجملة الرابعة : أن الصبر إذا أعطاه الله

العبـــد فهــو أفضل العطاء وأوسعـه وأعظمه ، إعانة


عــلى الأمــور . قـــال تعـــالـــى ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ

وَالصَّلاَةِ ) البقــرة , أي: على أموركم كلها . والصبر

كسائر الأخلاق يحتاج إلى مجاهدة للنفس وتمرينها .


فلهــذا قـال " ومن يتصبر " أي : يجاهد نفسه عـلى

الصبر " يصبره الله " ويعينه وإنمـــــا كــان الصبر

أعظــــم العطايا ، لأنـه يتعلق بجميـع أمـور العبــــد


وكمالاته وكـــل حالة مـن أحواله تحتاج إلى صبر .

فـإنـه يحتاج إلى الصبر على طاعة الله ، حتى يقوم

بهـــا ويؤديها . وإلـى صبر عــن معصية الله حتـى


يتركها لله وإلــى صبر على أقدار الله المؤلمة ، فـلا

يتسخطها . بــل إلى صبـر على نعم الله ومحبوبات

النفس ، فـــلا يدع النـفـــس تمرح وتفرح الفـــرح


المذموم، بل يشتغل بشكر الله فهو في كل أحواله

يحتاج إلى الصبر .



وبالصبر ينال الفلاح . ولهذا ذكر الله أهل الجنة فـقال

( وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ، سَلاَمٌ عَلَيْكُم


بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) وكـذلك قـولـه ( أُوْلَئِكَ

يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) فهم نالوا الجنة بنعيمها

وأدركوا المنازل العالية بالصبر .



ولكـــن العـبــد يسأل الله العافية مـــن الابتلاء الـــذي

لا يدري ما عاقبته ،ثم إذا ورد عليه فوظيفته الصبر.

فالعافية هـي المطلوبة بالأصالة فــي أمــــور الابتلاء


و الامتحان . و الصبر يؤمر به عنــد وجـــود أسبابه

ومتعلقاته والله هو المعين وقــد وعــد الله الصابرين

فــي كتابه وعلى لسان رسوله أمـــور عالية جليلة .


وعدهــم بالإعانة فـي كل أمورهم وأنه معهم بالعناية

والتوفيق و التسديد و أنـه يحبهــم ويثبـت قــلـوبـهم

وأقدامهم ويلقي عليهم السكينة والطمأنينة ، ويسهل


لهم الطاعات ، ويحفظهم من المخالفات ، ويتـفـضل

عليهم بالصلوات والرحمة والهداية عند المصيبات .

والله يرفعهم إلى أعلى المقامات في الدنيا والآخرة .


وعدهم النـــصــر ، و أن ييسرهم لليسرى ويجنبهم

العسرى ووعدهم بالسعادة والفلاح والنجـاح ، وأن


يوفيهـم أجرهم بغيـر حساب ،وأن يخلف عليهم في

الدنيا أكثر مما أخذ منهم من محبوباتهم و أحسن ،

يعوضهم عـــن وقـــوع المكروهات عوضا عــاجلا


يقابل أضعاف أضعاف مـا وقــع عليهم مــن كريهة

ومصيبة وهــو فـــي ابتدائه صعـب شديد . وفي

انتهائه سهل حميد العواقـب .




كتــــــاب : بهجة قــلـــوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح


جوامع الأخبار (ص 78) للشيخ عبد الرحمن السعدي (بتصرف)
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى