سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

جريدة الجمهورية


لم تطأ قدما عضو«الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» زياد أبو حمدان عاصمة الأمويين منذ 15 آب 2011، إذ كادت سجونها تشرّع أبوابها لاستضافته عقب مشاركته في اعتصام نقابة المهندسين في الرابع من ذلك الشهر، حين سارعت قوات نظام بشار الأسد إلى إقفال النقابة قبل بدء الإعتصام، الذي سجلّ فيه تواجد لـ«شبيحة النظام وأجهزته الأمنية» فاق أعداد المتظاهرين، وفق ما يؤكّد أبو حمدان في حوار مع «الجمهورية».

يدافع عضو المكتب التنفيذي في “تجمع أحرار سوريا” بشراسة عن أهمية انتخاب “الإئتلاف” رئيس حكومة موقتة. خطوة شكّلت “مدخلاً لحضور القمة العربية في الدوحة واستلام الإئتلاف مقعد الجمهورية العربية السورية فيها”، وهو ما يعدّه “نصراً سياسياً كبيراً وأمراً ضاغطاً على نظام بشار الأسد والدول الداعمة ولا سيما روسيا وإيران، اللتين تعتبران أنّ تشكيل الحكومة سيقطع الطريق على حلّ مع حليفها”.</p> ويقول أبو حمدان: “كان هدفنا إيصال رسالة مفادها أنّ الإئتلاف قادرعلى بلورة شكل قانوني بديل عن نظام بشار الأسد، لدخول منظمات إقليمية على غرار الجامعة العربية التي لا يسمح نظامها بتمثيل معارضين وثوار”.

قمة عربية، تتجلّى أهميتها في “أنّ مقرراتها تستمر فاعليتها لمدة سنة، وقد انتظرها الإئتلاف لتفعيل مسألة الدعم السياسي والعسكري، الذي يتطلّب شكلاً قانونياً”.

غير أنّ الجيش السوري الحرّ لم يهضم انتخاب هيتو، الذي سارع إلى احتواء رفضه بتكليف الحرّ تسمية وزير لحقيبة الدفاع. وزير دفاع يحبّذ أبو حمدان “أن يكون مدنياً، من بين أعضاء الإئتلاف، وليس من المؤسسة العسكرية، بعد أن عانينا الأمرّين من العسكر وسيطرته ومراكز نفوذه، فنحن نأبى إعادة تكرار التجربة”.

وإذ يقرّ أبو حمدان بارتكاب الجيش الحرّ بعض الأخطاء، إلاّ أنّه ينفي بدء التصفيات الجسدية في صفوفه، ووجود تنافس بين رئيس أركان الحرّ اللواء سليم إدريس، ومؤسسه العقيد رياض الأسعد، الذي نجا من محاولة اغتيال الأسبوع الماضي.

ويميل إلى عدم اتهام جهة محددة بالوقوف وراء محاولة اغتيال الأسعد، ويطالب بإجراء تحقيق لمعرفة الجهة المستفيدة قبل إطلاق الإتهامات جزافاً.
بيد أنّه لا يستبعد وقوف المخابرات الأردنية أو الأميركية أو “جبهة النصرة” وراء ذلك العمل الإرهابي. ويقول: “الحقيقة قد تكون مزيجاً من تلك الإتهامات، إلاّ أنّ ذلك يبقى من باب التخمين وليس اليقين”.

ويبدو متشائماً لغياب مبادرات حقيقية سلمية للأزمة التي دخلت عامها الثالث. ويقول: “في خطابه الأخير، لا يزال الأسد يتحدث عن عصابات مسلحة، في حين أنّ تصريحات وزيري الإعلام عمران الزعبي والمصالحة علي حيدر، هي مجرد دعوة للقدوم إلى دمشق من دون أي أجندة سياسية”.

ويضيف: “نحن نلمس استعلاء واستكباراً من قبل السلطة، فهم بعيدون عن الواقع، ويعتبرون الشعب السوري قطيعاً من الأغنام يمكن سوقه وترضيته بمنحه وزراة من هنا أو هناك”.

ويتساءل: ” كيف نتحاور مع الأسد، وهو لم يوقف القتل والتهجير ولم يطلق السجناء السياسيين تمهيداً لبدء التفاوض؟” ويؤكّد أنّ الشعب السوري ليس هدفه إطالة أمد الأزمة، “نحن نقبل بتسوية سلمية شرط إنهاء حكم الأسد، فالهدف الحقيقي للحوار ضمان نقل حقيقي للسلطة”.

ويقول أبو حمدان:”لسنا على عداوة مع الدولة، لكننا لن نحاور من قتل الشعب السوري وأحلامه في صنع الحضارة ضمن فسيفساء التنوع الإجتماعي”.

ويشدد على أنّه “لو اشترينا السلام ودفعنا ثمنه نقداً سيكون أقلّ كلفة من التسليح، لكن هناك دول وفي طليعتها الولايات المتحدة وإيران لديها أجندات خاصة، وهدفها الحفاظ على بؤر التوتر في الشرق الأوسط، لتشغيل مصانع السلاح، وهذا بدوره يخدم إسرائيل”.

ويبقى الأمل بتسوية قريبة، فقط إذا اختلّت موازين القوى، وأعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لتسليح المعارضة السورية وفتح الجبهة الجنوبية.

جبهة لا بدّ من فتحها، في مدينة درعا والسويداء والقنيطرة في الجولان، وريف دمشق، فذلك أمر كفيل بإسقاط النظام. ويقول أبو حمدان: “إذا سقط رأس النظام في دمشق، الثورة ستحقق أهدافها تدريجاً”.

غير أنّ قراراً أميركياً يحول دون فتح الجبهة الجنوبية، داعياً الحكومة الأردنية إلى تسهيل تمرير الدعم اللوجستي عبر حدودها، كي لا تمتد شظايا الأزمة الى دول الجوار.

ويأسف لفتح جبهة حلب، ويعتبره “خطأً عسكرياً استراتيجياً، لم تستفد منه الثورة وأطال أمد النزاع، ودمّر البنية الإقتصادية للمحافظة التي كانت تعدّ المدينة الصناعية الأولى”، ومردّه غياب قيادة للجيش الحرّ في بداية الثورة تتولى الأمور اللوجستية.

ويلفت إلى أنّ إلاحصاءات تظهر أنّ أكثر من 1500 مصنع في حلب تمّ تفكيكها وسرقتها أو تدميرها ونقلها إلى تركيا، مما أوقف عجلة الزراعة والصناعة، وتسبب في خسارة إقتصادية للشعب السوري. وفي غياب حظر جوي في منطقة الشمال، لم يستطع الجيش الحرّ السيطرة على كامل حلب، فكانت النتيجة خسائر من دون أرباح.

«حزب الله»

وعلى رغم تعقيد الوضع الميداني، يرجّح أن لا يتجاوز أمد الأزمة العام الحالي، حيث أنّ استمرارها ليس في مصلحة إسرائيل، فالكلّ سيخسر إذا ما امتدّ الحريق السوري الى دول الجوار. ولبنان سيكون أول المتضررين إذا استمرّ “حزب الله” الذي صنع في إيران، بزج مقاتليه في مستنقع الدم السوري”، على حد تعبيره.

ويحذّر أبو حمدان من أن يؤسس دعم “حزب الله” للأسد الذي يهدف إلى إخضاع الشعب السوري لعقود مقبلة، لصراع سني – شيعي ويخلط أوراق الثورة السورية.

ويعتبر أنّ “حزب الله” بحكم وجوده على أرض لبنانية، على عناصره ان يلتزموا بالأجندة العربية، وأن يفكر بتعقل ويتعايش مع جسم سياسي عربي، وأن يحافظ على نهجه المقاوم”.

ويشبّه احتكار “حزب الله” للمقاومة بسيطرة الأسد على القرار الفسلطيني في مرحلة سابقة، فالإحتكار يعني اللعب بأوراق سياسية والخضوع لأجندات خارجية”.

ويقول أبو حمدان: “لقد خطف قرار سوريا من إيران منذ 2005 ، ووضع على طاولة المفاوضات النووية، لذا لا أرى أنّ “حزب الله” يمكنه أن يحمل أجندة وطنية، اذا استمر بتهديد الخارج وأدعوه لتصحيح هذا الخلل والشطط في سياسته”.

ويضيف: “بسلوكه في سوريا، يكسب “حزب الله” أعداء جدداً غير إسرائيل، وإذا اتجه إلى زج عدد أكبر من مقاتليه لحماية الأسد، سيثير ذلك حفيظة تل أبيب ويدفعها إلى إعادة احتلال لبنان وقضم جزء آخر من سوريا”.

غير أنّ سلوك “حزب الله” حتى اللحظة لن “يجرّ الجيش الحرّ الى الرد، فالأخير ليس لديه أجندة لفتح صراعات مع لبنان، فهو يقاتل لإسقاط نظام الأسد وأركان المؤسسة الأمنية، ونلتزم داخل حدود سوريا وليس لدينا مصلحة في بناء عداوات مع جهات أخرى”، وفق ما يؤكّد أبو حمدان، الذي يؤيد “تسوية سلمية في المنطقة وتحقيق الإستقرار على قاعدة إعادة الحقوق إلى الشعب الفلسطيني والسوري واللبناني”.

ويقول:”المنطقة شبعت حروباً والمواطن العادي يتوق الى السلام، فمنذ عقود خدعنا النظام السوري بتخصيص 70 في المئة من الموازنة لتسليح الجيش لتحقيق توازن استراتيجي مع إسرائيل. لم نشعر أننا على قاب قوسين أو أدنى من تحرير أرضنا وعودة أهالينا في الجولان، الذين يشعرون بأنّ النظام كان يتاجر بقضيتهم”.

وإذ ينتقد “احتلال الجيش السوري للبنان لـ 30 سنة خلت، بمباركة أميركية وروسية لضرب كلّ الطوائف من دون استثناء وإخضاع كل القوى الوطنية، فضلاً عن تغلغل الإستخبارات السورية في جسم ومفاصل الحياة السياسية اللبنانية”، يُطمئن إلى”أنّ الثورة ومقاتليها ليس لديهم أطماع في لبنان، باعتباره جزءاً من سوريا”.

ويقول:”رؤيتنا أنّ لبنان دولة مستقلة وعضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية، ونجد أنّ التمثيل الدبلوماسي يعني الإعتراف بحدود الدولتين، وإذا تشابهت حكومتي البلدين ديموقراطياً، سيكون هناك تكامل بيننا، لاسيما وأنّ نسيجاً إجتماعياً متصلاً يجمعنا”. ويؤكّد أنّ المعارضة إذا استلمت الحكم لن تتردد في منح لبنان وثيقة تحُدد مصير مزارع شبعا.

تضخيم «جبهة النصرة»

ولا ينكر أنّ الثورة السورية سادها في بعض مراحلها تشدد ديني، لكنّها لم تتخذ صبغة دينية. ويذكّر بأنّ تضخيم دور الإسلاميين المتشددين بدأ مع تصريح الولايات المتحدة خلال مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في المغرب بوضع “جبهة النصرة”على لائحة الإرهاب، وكان بهدف لفت النظر الى الجبهة كفصيل عسكري متشدد.

ويقول: “نحن نقرّ بوجود تجاوزات وأخطاء، فجبهة النصرة لا تأتمر بأوامر الجيش السوري الحرّ، ولها أجندتها الخاصة المختلفة عن الثورة، وهي لا تطرح مسألة انتقال سوريا الى دولة ديموقراطية، هذا لا يعنيهم، هي تنطلق من منطلق ديني”.

ويؤكّد أنّ “النصرة” ليست عدواً للجيش الحر، وبالتالي ينبغي التفريق بين عناصرها السوريين الذين يقاتلون لتحقيق أهداف الثورة، والذين سيشكلون جزءاً من الجيش السوري في ما بعد”.

حماية الأقليات

تضخيم يرى أبو حمدان أنّه “يخدم النظام الذي يحاول تظهير نفسه بأنه حام للأقليات ولنظام علماني”. ويذكّر بهرب القيادي السابق في حزب البعث شبلي العيسمي عام 1966 من حافظ الأسد، واختفائه بعد عودته الى لبنان منذ فترة ليست ببعيدة. ويتساءل: “كيف يمكن الحديث عن حماية للأقليات من قبل نظام يرتدي عباءة مذهبية ويتحالف مع نظام إسلامي في إيران؟”

الدروز والثورة

ولا ينكر إبن السويداء أنّ النظام تعامل بحنكة كبرى مع الأقلية الدرزية منذ اندلاع الثورة. إذ لم يقم بتوجيه السلاح أوقتل من شاركوا في التظاهرات في السويداء، حيث اقتصرت عقوبتهم على الإعتقال. فالأسد يدرك في قرارة نفسه أنّ هذا يثير أهل الجبل ويوحدهم في مواجهة الخطر الخارجي.

غير أنّ انخراط الدروز في الثورة لم يقتصر على التظاهرات التي كانت الأميرة منتهى الأطرش سبّاقة في الدعوة إليها، إذ يسجّل لهم مشاركة سياسية فاعلة في المجلس الوطني والإئتلاف وتجمّع أحرار سوريا والتحالف الوطني الديموقراطي.

عسكرياً، إنشق عدد كبير من الدروز عن الجيش النظامي، وفي طليعتهم اللواء الطيار فرج المقت، المقدم حافظ فرج، والعقيد مروان الحمد، والملازم الشهيد خلدون زين الدين الذي شكّل كتيبة سلطان باشا الأطرش، واستشهد في معركة السويداء التي قتل فيها 15 شهيداً و26 جريحاً للمعارضة، و220 من قوات النظام”.

ويقول أبو حمدان: “تمّ استدعاء 9500 عنصر من الجيش الإحتياطي في السويداء، لم يلتحق منهم أكثر من 12 شخصاً، هذا يعدّ عصياناً عسكرياً”.
ويؤكّد أنّ “70 في المئة من أهالي محافظة السويداء هم مؤيدون للثورة، وما تبقّى منهم هم موظفون لدى الأسد ويشغلون وظائف حكومية وأمنية، وهم مهددون يومياً بقوتهم وأرزاقهم وتدمير السويداء على رؤوس ساكنيها”.

وقد سبق وهُدد شيخ العقل بأنّ تواجه السويداء مصير حماة، ما دفع العقلاء ورجال الدين إلى تجنيب الأهالي القتل والتدمير من باب الحكمة، وعدم القدرة على مقاومة الآلة العسكرية للنظام. وإذ يؤكّد أنّ قرار دروز سوريا هو في يد شيوخها وعقلائها ولا يرتبط بالقيادات الدرزية اللبنانية، ينوّه بموقف الحزب الإشتراكي الداعم للثورة منذ بدايتها، وينتقد أخذ رئيس تيار التوحيد العربي وئام وهّاب على عاتقه ملف السويداء بالتفاهم مع الإستخبارات السورية.

ويشير إلى قيام وهّاب بتسليح عدد من اللجان الشعبية بالتعاون مع أحد مشايخ العقل، ليكتشف النظام في ما بعد أنّ وهّاب لا يملك قرار الجبل، بفعل إصرار المشايخ على تحييد مناطقهم.

ويُعيد التذكير بأنّه في العقود الماضية تمّ زرع الكثير من الحواجز بين دروز سوريا ولبنان وقطعت الأوصال بينهم، خوفاً من أحلام كاذبة بأنّ هذه الأقلية ستسعى الى تأسيس دولة مستقلة لها. لكنّ الدروز “لطالما كان خطابهم وطنياً ويتمسكون بالأرض والكرامة والعيش المشترك مع شعوب المنطقة”.

ولا يُسقط أبو حمدان المرأة السورية من حساباته، فقناعته بدورها دفعه الى التنازل عن مقعده في الأمانة العامة في المجلس الوطني لمصلحة تغريد الحجلي.

ويقول: “لا نبحث عن مقاعد بل نحن أصحاب مشروع، نعتز بدور المرأة في الثورة السورية، وهناك قصور في الإئتلاف حيث لا تمثّل المرأة بالشكل المطلوب، فهناك 3 سيدات من أصل 60 عضواً”.


ضعف تمثيل لا يقتصر على المرأة فقط، إذ ينبغي توسيع الإئتلاف ليشمل عناصر ديموقراطية وليبرالية لإحداث توازن وضمان تمثيل الشعب السوري بتوجهاته كافة.
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى