سوريا اليوم

مراسل صقور الأبداع من سوريا

رستم محمود : مدن&#00

&#00
في الوقت الذي يرفض فيه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أي إلغاء أو تعديل، لقانون “اجتثاث البعث”، والذي يعتبر من أهم مطلب لعشرات آلاف المحتجين العراقيين في المحافظات الوسطى والغربية، تستمر الاحتجاجات منذ شهور مما قد يفتح صراعاً أهلياً عراقياً يمتد لأجيال. فقانون “اجتثاث البعث” المريب، قد همش دور وحضور أبناء تلك المحافظات الوسطى والغربية “العرب السنّة” في جسم الدولة العراقية، فهو طال جل النخبة العسكرية والمعرفية والبيروقراطية، واستخدم على الدوام، كذريعة قانونية وسياسية وكيدية، لتصفية الخصوم السياسيين للتيارات السياسية الشيعية في البلاد، وبالذات خصوم رئيس الوزراء نوري المالكي وحزب الدعوة. في هذا الوقت الحساس، أصدر القضاء العراقي “بكل براءة” عفواً عن الشخصية السياسية “البعثية” العراقية مشعان الجبوري، وعاد حسب ذلك العفو للعراق!!

الجبوري، المتهم بالعمل مع الاستخبارات العسكرية العراقية في عهد صدام حسين، والمنشق عنه فيما بعد، والمرحب السابق بالغزو الأمريكي للعراق، حيث عين محافظاً للموصل عقب الاحتلال مباشرة. الجبوري الذي كان متحالفاً ومنسّقاً مع التيارات السياسية الكردية العراقية، حيث استحوذ عبرهم على منصب سياسي في الحكومة المركزية العراقية عقب تأسيس الحكومة العراقية المؤقتة 2005، ما لبث أن اتهم بقضية فساد كبرى، فرّ عقبها إلى إقليم كردستان العراق، حيث رفضت السلطات هناك تسليمه للحكومة والقضاء المركزيين. خرج بعدها من هناك إلى سوريا، وأسس فيها قناة فضائية مثيرة للجدل “الرأي”، كانت تنشر فيديوهات لجميع العمليات والجماعات المسلحة العراقية، وظلت محطته تحرض ضد الجماعات السياسية الشيعية الحاكمة في البلاد، حيث اتهم بسببها بمساندة الإرهاب والتحريض على الفتنة الأهلية. الجبوري عاد إلى بغداد كشخصية سياسية، وعقد مؤتمراً صحفياً عاماً، عبّر فيه عن قربه وتفاهمه السياسي مع تيار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ناعتاً مواقفه بـ”البطولية”!!، معتبراً أن أمنيته الوحيدة هي أن يرى الأكراد خارج جسم الدولة العراقية، وأن الأكراد هم الأكثر تحريضاً على الصراع المذهبي في العراق، معتبراً أن قدومه للعراق جاء فقط للدفاع عن مدينة كركوك!
إن إعادة دمج هكذا شخصية سياسية، مثيرة للجدل، في الجسد السياسي العراقي العمومي، وبهذه الدرجة من الانسيابية، يفتح عدداً من التساؤلات المركزية حول طبائع وهويات الدولة والسلطة والقانون في الدولة العراقية المعاصرة:
يتعلق الأول بطبيعة علاقة السلطة بالقانون: فنفس السلطة التي تستخدم وتستغل قانوناً عمومياً لتهميش وتصيد جماعة أهلية وسياسية وطنية، منافسة وموازية لها في الحجم والفعل السياسي، وترفض أي تعديل أو تحوير له، بعدما أنجز القانون ذاته كل أفعاله التاريخية التي كانت لازمة في فترة زمنية من عمر البلاد، نفس السلطة يمكن أن تغض النظر عن نفس القانون، عندما تتطلب مصالحها ورغباتها السياسية “العلاقة الوطيدة الحديثة بين رئيس الوزراء العراقي والنظام السوري وأدواته”.
أما التساؤل الثاني، فيتعلق بمدى الأمانة الأخلاقية للدولة، ومسؤولية أجهزتها الوظيفية، في حفظ أمن وسلامة وخير مواطنيها. هذه الوظيفة والمسؤولية والأمانة، التي ربما تكون الواجب الوحيد، الذي يمنح المواطنون حسبها، أشكال السلطة المختلفة لحكام ومسؤولي وأجهزة دولهم. ففي عودة الجبوري، المتهم بقضايا جنائية ومالية، ودون تقديم أي مبرر أو توضيح لذوي الضحايا المتهم بالمسؤولية عن دماء أبنائهم، في ذلك برهان واضح على قدرة السلطات العراقية الحاكمة على التخلي عن ذلك المعيار البسيط “السلطة ممنوحة للحاكم، مقابل مسؤوليته عن القانون والأمان العام”، وهي مؤشر على حكم رئيس الوزراء العراقي من شكله التعاقدي “الديموقراطي” إلى نمط الحكم الاستبدادي “امتلاك الدولة وأجهزتها”.
السؤال الأخير يتعلق بهوية اللعبة والنخبة السياسية العراقية، فشخصية سياسية خاضت جميع هذه التحولات، من أقصاها إلى أقصاها، واستخدمت جميع أشكال وأدوات العنف والفساد والتحريض والغرائزية، لو استطاعت أن تعيد إدماج نفسها في الحياة السياسية للبلاد “سيشكل الجبوري قائمة سياسية لخوض انتخابات مجالس المحافظات التي سوف تجري بعد أسابيع قليلة”. في ذلك دلالات عميقة على شكل العالم القيمي والرمزي، غير المضبوط بأية معاير عمومية، تلك التي تسم العمل العام، والسياسي منه بالذات، في كل بقاع صخرة العالم.
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى